الخميس، 23 فبراير 2012

حقيقة التقوى



بسم الله الرحمن الرحيم
 إنَّ الحَمْدَ لله، نَحْمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُهُ، ونعوذُ بالله مِن شُرُورِ أنفُسِنَا، وَمِنْ سيئاتِ أعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِه الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ، فَلا هَادِي لَهُ.وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبْدُه ورَسُولُه.
المقـــــــــدمة
الغاية من خلق الناس هي: توحيد الله جل وعلا,  لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات56, يؤكدها (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) النساء 36  , قال البغوي رحمه الله في شرحه لقوله تعالى: ( اعبدوا رَبَّكُمُ ) وحدوه .      قال ابن عباس رضي الله عنهما : كل عبادة في القرآن فهي توحيد.
والغاية من العبادة هي تحقيق العبادة القلبية العظيمة: التقوى , والدليل قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (21) البقرة
قال بن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى: { لعلكم تتقون }؛ "لعل" هنا للتعليل, أي لتصلوا إلى التقوى؛ ومعلوم أن التقوى مرتبة عالية لا ينالها كل أحد إلا من أخلص العبادة لله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: (لعلكم تتقون ).., ـ وأكد الشيخ رحمه الله على طلب علم الكتاب والسنة فهي أساس التوحيد والتقوى ـ حيث قال:
الحث على طلب العلم؛ إذ لا تمكن العبادة إلا بالعلم.




                                           


كيف تصل التقوى إلى قلوبنا:








حقيقة التقوى   ١\



٢\





هذه العبادة العظيمة وصية الله جل وعلا لعباده, وهي أول وصايا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأقوامهم, وفي كتاب الله من الأدلة ما يكفي, ولو رجعنا إلى سورة الفاتحة لوجدناها دعاء يبدأ بالحمد والثناء والتمجيد, نظهر لله فيه شدة ذلنا له وفقرنا إليه وحاجتنا لعونه بأن يهدينا (اهدنا): " يوفقنا ويرشدنا ويدلنا ويثبتنا" للصراط المستقيم : "دينه الذي هو الكتاب والسنة", نختم هذا الدعاء بآمين: "اللهم استجب", ثم يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه استجاب دعاءنا في صلاتنا التي هي دعاء بقول: سمع الله لمن حمده : "استجاب الله الدعاء", لذلك نحمده : ربنا ولك الحمد؛
لكنه جعل لنا شرطا نجده في أول السور الطوال في سورة البقرة حيث قال تعالى بعد سر الكتاب (ألم) : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) البقرة2 ، هنا يبين الله لنا أنه لن ينتفع بهذا الكتاب ويبقر بحوره فيفهمها ويعمل بها إلا "المتقين"....!!
والمتقين لن يصلوا للتقوى إلا بالرجوع للكتاب والسنة.








التقوى في الكتاب والسنة
 التقوى وصية الله للأولين و الآخرين من خلقه لقوله تعالى:

" وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ " من الآية 131 سورة النساء
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) " سورة آل عمران
(يَا أ يها الذين آ منوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً * يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً) الأحزاب 70/71
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)" سورة الحشر
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) " سورة النساء, والآيات في ذلك كثيرة والقرآن كله توحيد والتقوى من أعظم وأكثر معانيها التوحيد.

و كانت التقوى وصية نبينا صلى الله عليه و سلم لجميع أمته

ففي الحديث الذي رواه الترمذي و أبو داود بسند صحيح من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال :" وعضنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب و ذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال :أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن تأمر عليكم عبد حبشي، و إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة "

و في الحديث الذي رواه الترمذي و أبو داود و غيرهما بحديث حسن أن نبينا صلى الله عليه و سلم أوصى معاذ بن جبل رضي الله عنه بهذه الوصية الخالدة الغالية فقال :
اتق الله حيثما كنت (أي راقب الله جل و علا في أي مكان كنت، امتثل أمره و اجتنب نهيه و قف عند حدوده) و أتبع السيئة الحسنة تمحها و خالق الناس بخلق حسن.

و في مسند أحمد و سنن أبي داود و الترمذي و غيرها بسند حسن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أبا سعيد قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : أوصني يا رسول الله ،
"قال أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء" و في لفظ :" أوصيك بتقوى الله فإنها جماع كل خير" .

وعن أبي أمامة صُدى بن عجلان الباهلي قال: سمعت رسول الله يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا ربكم وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم".
وكان إذا بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً.






معنى التقــــــــوى
معنى التقوى لغة :
هي الاسم من اتقى، والمصدر لاتقاء, وكلاهما من مادة وقى، والوقاية هي حفظ الشيء مما يؤذيه.
ومعناها شرعا: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين سخط الله وغضبه وعذابه وقاية, تلك الوقاية هي فعل الطاعات واجتناب المعاصي.
أجــــــمع تعار يف التقــــــوى  
قال ابن عباس رضي الله عنه : المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به.
** قال أبو هريرة رضي الله عنه حين سئل عن التقوى : هل أخذت طريقا ذا شوك ؟
قال : نعم ، قال: فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى.
** قال أبي الدرداء رضي الله عنه: تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) فلا تحقرن شيئا من الخير أن تفعله, ولا شيئا من الشر أن تتقيه .
** قال معاذ بن جبل: ينادى أين المتقون؟فيقومون فى كنف الرحمن لا يحتجب عنهم ولا يستتر.
** قال ابن مسعود فى قوله تعالى (اتقوا الله حق تقاته) أن يطاع فلا يعصى. ويذكر فلا ينسى. ويشكر فلا يكفر.
** قال الحسن: مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام .
** قال سفيان الثوري: انما سموا متقين لانهم اتقوا ما لا يتقى.
** قال ميمون بن مروان: التقى اشد محاسبه لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه. ** ولطلق بن حبيب التابعي المشهور رحمه الله تعريف جميل :
تقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تدع معاصي الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
** قال عون بن عبد الله رحمه الله : تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم تعلم منها إلى ما علمت منها .
** ذكر معروف الكرخي عن بكر بن
خنيس رحمهما الله قال : كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي .ثم قال معروف الكرخي:إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتك امرأة ولم تغض بصرك وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك.
** ورحم الله القرطبي فهو من قال: ( التقوى فيها جماعُ الخيرِ كله، وهي وصيةُ الله في الأولِين والآخِرِين، وهي خيرُ ما يستفيدُه الإنسان) .

أركـــان التقـــوى
استخلاص من خلال  تفاسير آيات التقوى., والله أعلم

1ــ عـــــــــــــــــــلم الكتاب والسنة الواصل إلى القلب, فبدونه لا يمكن أن تقوم هذه العبادة القلبية العظيمة "التقوى".

2ــ المحـــبة المثمرة للخوف والرجـــاء     

3ــ العمـــــــــــــــــل على منهاج النبوة, فالتقوى لا يمكن أن تقوم بدون العمل

شـــــــــــــــروط التــــــــــــــقوى
نستخلصها من قول ابن مسعود رضي الله عنه: أن يطاع فلا يعصى, وأن يذكر فلا ينسى, وأن يشكر فلا يكفر.
1ـ الطــــاعة لله
2ـ ذكــــــر الله
3ـ شـــــــكر الله

أنــــواع التقـــــــوى
ذكرت التقوى في كتاب الله العظيم تقريبا 240 مرة , وقد جاءت بعدة معاني منها:
خمس معاني رئيسية :
1ـ بمعنى : اعـــــــبدوا ,, كما في قوله تعالى : (أفغير الله تتقون) النحل 52
2ـ بمعنى : التوحيد ,, كما في قوله تعالى : (وألزمهم كلمة التقوى) الفتح 26
3ـ بمعنى : الإخلاص ,, كما في قوله تعالى : (فإنها من تقوى القلوب) الحج 32  
4ـ بمعنى : أخشـــــــوا ,, كما في قوله تعالى : ( ياأيها الناس اتقوا ربكم) النساء 1
5ـ بمعنى: الأمر: أطيعوه ولا تعصوه,, كما في قوله تعالى:
(واتقوا الله لعلكم تفلحون) البقرة 189 .. 
 تقسيم الإمام البلخي "الأشباه والنظائر في القرآن الكريم"
ويمكننا أن نقول أن أنواع التقوى بصفة عامة نوعان:
1ـ تقوى النجاة الأساسية التي  بدونها لا أمل لأحد من العباد في النجاة وهي التوحيد.
 2ـ تقوى الدرجات وتكون بالعبادة والإخلاص والخشية والامتثال للأوامر واجتناب النواهي.
مـــراتب التقـــوى

كما ذكرها الشيرازي البيضاوي رحمه الله تعالى في تفسيره لقوله تعالى:
(هدى للمتقين) البقرة 2

 قال: للتقـــــــــوى ثــــــلاث مـــــراتب :

الأول : التوقي من العذاب المخلد بالتبري من الشرك, والدليل عليه قوله تعالى :
(وألزمهم كلمة التقوى) .

الثاني : التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم
 وهو المتعارف باسم  التقوى في الشرع ،
وهو المعني بقوله تعالى : (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ) .

الثالث : أن يتنزه عما يشغل سره عن  الحق ويتبتل إليه .. وهو التقوى الحقيقية المطلوبة بقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته).. انتهى

نلاحظ أن المرتبة الأولى مرتبطة بتوحيد الله جل وعلا ,, والمرتبة الثانية مرتبطة بامتثال الأوامر واجتناب النواهي ,, والمرتبة الثالثة مرتبطة بالإحســــــــــان .  والله أعلم
 إحسان التقوى هي المرحلة النهائية التي يصل العبد فيها إلى الله عز وجل وهي أداء حتى النوافللا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"
وإذا أحبه الله عز وجل أصبح يسمع بنور من الله فلا يسمع إلا ما يرضي الله, ويبصر بنور من الله  فلا يبصر إلا ما يحبه الله, ...

هكذا هو
حسن التقوى وتقوى الإحسان
إذا أراد الله بعبده خيراً يسر له عبادة من النوافل يجعلها سببا للوصول إليه يوم القيامة.
إذاً إن أردنا رب العالمين أن يحبنا نفهم ماذا قال عن المحسنين في كتابه العزيز, حينئذ نتقرب إليه, بإحسان أداء الفرائض والتقرب إليه بأداء النوافل قدر المستطاع , وهذه النوافل في كل دقائق الحياة نحاول أن نتقرب إلى الله بها عن طريق إحسانها  , إذا وفقنا الله تعالى لنافلة من النوافل فعلينا المداومة عليها وإتقانها, وبذلك تكون التقوى من الحسن بمكان, وإذا أحسنا تقوانا حينئذ نفوز بحب الله جل وعلا:
(و سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين)  133/134آل عمران




لتحميل المذكرة يُرجع إلى الرابط التالي



0 التعليقات:

إرسال تعليق